الصوم الطبى
الصوم الطبي.. فوائده العلاجية عديدة ومتنوعة
وفقا لما أجمع عليه الخبراء الطبيون المتخصصون في علوم التغذية أن للصيام فوائد علاجية كثيرة.
حيث يمتنع الصائم عن الطعام والشراب، كمنهج طبي علاجي بوسائل شتى.. ومن حقبة زمنية إلى حقبة زمنية، ظل الصوم طريقة علاجية تتناقلها الأجيال الطبية، منذ ولد الطب مع الحكمة.
فقد اكتشف عالم التغذية الأميركي "وايلر"، بعد قرون مما بشر به الاسلام عن فوائد الصيام، أن الصيام يحدث تجديدا بنسبة 10 في المئة من خلايا الجسم، في العشر الأول من رمضان، وخلال الأيام العشرة التالية يحدث تجديدا بنسبة 66 في المئة من خلايا الجسم.
أما العشرة الثالثة فيحدث تجديدا لجميع خلايا الجسم.
كما اثبت، أن التركيز يكون في أعلى درجاته خلال نهار رمضان، وتزيد المناعة عشرة أضعاف المناعة العادية للإنسان. واكتشف "وايلر" ايضا أن هناك حالات مرضية كان يعتقد أنها سوف تتأثر سلباً بالصوم، مثل آلام الكليتين وتكوين الحصيات، لكن على العكس،
تم اكتشاف أن الصوم يساعد في تركيز املاح الصوديوم في الكلى. وهذه الاملاح تذيب الحصوات التي تتكون في الكلى، خصوصاً اذا ما تم تناول كميات كافية من السوائل.
فوائد الصوم الطبي
ونظراً للفوائد المتعددة، التي يحققها الصوم، فقد أوجد الأطباء ما أطلقوا عليه "العلاج بالصوم الطبي"، وهو احدى طرق الطب البديل الحديثة، ويقوم هذا النظام على الماء والعسل والفيتامينات والاملاح المعدنية.وكان الصوم بالماء قد عرف منذ القدم.. ففي مرجع طب التبت الكبير "تشجودشي" في القرن السادس قبل الميلاد، خصص فصل كامل تحت عنوان "العلاج بالطعام والعلاج بالصوم".
وفي مصر القديمة، وبشهادة هيرودت، المؤرخ الاغريقي (450 قبل الميلاد) تبين أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة ايام من كل شهر.. كما أنهم نجحوا في علاج مرض الزهري بالصوم الطويل. ولاحظ هيرودت أنهم كانوا بسبب هذا الصوم، أحد أكثر الشعوب صحة.
ثم جاء بعد ذلك الروماني "جالينوس" في القرن الثاني الميلادي، وأوصى بالصوم كعلاج لكل أعراض "الروح السالبة"، يقصد بذلك حالات الحزن وفقد الحب وفرط التوتر.
ثم انتقل الامر إلى ابو الطب الشيخ أبو علي ابن سينا (780-1037 م) الذي لم يتنازل عن الصوم كدواء، بل كان مفضلا لديه، وكان يصفه للغني والفقير ويعالج به مرض الزهري والجدري وأمراض الجلد.
وتطول القائمة حتى تصل عصرنا الحالى.
ففي اميركا كان "هنريك تانر" وكتابه "الصوم أكسير الحياة"، ثم "آبتون سنكلير" المدافع القوى عن العلاج بالصوم (وكلاهما بلغ من العمر تسعين عاماً).
والى الآن ما زال في قائمة العلاج بالصوم أسماء كثيرة: منها بوشنجر الألماني وآلان كوت الأميركي وشيلتون الإنجليزي، والبطل العالمي للملاكمة في الوزن الثقيل محمد علي كلاي الذي كان يعانى من داء باركنسون وزيادة الوزن وخلال صومه مدة ثلاثة
أسابيع تحسن أكثر من 60%. ولو كانت ظروفه تسمح لمتابعةالصيام إلى أربعين يوما لكان التحسن أكثر من ذلك.
وقد تبين علمياً أنه في حال انقطاع امداد الجسم بالطعام من الخارج فان الجسم ينتقل إلى تغذية نفسه من المخزون الداخلي في أنسجته المختلفة باستثناء القلب والجهاز العصبي.
وقد قدر العلماء أن الاحتياطي الذي يمكن الاعتماد عليه داخل الجسم يصل مابين 40 الى 45% دون خطر يذكر.
فكريات الدم الحمراء تبدا فى النقصان فى البداية ولمدة أسبوعين، ثم تبدأ الكريات الجديدة الشابة في الظهور والتكاثر. ومع انهيار الخلايا الشائخة وتحطمها
يحدث ميل خفيف إلى الحموضة، لكن "احمضاض" الدم لايحدث أبدا ولا تتغير العظام لكن نخاع العظام، قد ينكمش قليلا، نظرا لوفرة ما يحتويه من مواد غذائية مخزنة يساهم بها في عملية التغذية الداخلية.
وفي الصوم الطبي، يظل وزن الكليتين ثابتاً تقريباً. أما الكبد فإن وزنه ينقص، لكن هذا النقص يكون على حساب المخزون من الماء والجليكوجين (السكر المختزن)دون المساس بتركيب الخلايا أو عددها.
فى حين انه يمكن أن ينقص وزن العضلات بنحو 40%، فإن عضلة القلب لا تخسر أكثر من 3%، وفي الحالتين يعود النقص إلى انكماش الخلايا وليس إلى نقصان عددها.
ومن الجدير بالذكر أن القلب يرتاح كثيرا فى حالة الصوم، إذ تنخفض ضرباته إلى 60 ضربة في الدقيقة وهذا يعني أنه يوفر مجهوداً يعادل 28800 دقة كل 24 ساعة.
والقاعدة فى هذه النظرية أن الجسم يعطي من مخزون المواد العضوية، ثم غير العضوية، أي أنه يعطي أولا من السكريات، ثم الدسم وبعض البروتين، لكنه لا يفرط بسهولة في المعادن وما يشابهها. فالحديد المتخلف عن حطام الكريات الحمراء القديمة يتم تجميعه وتخزينه في الكبد من جديد، ليؤخذ منه عند الحاجة.
لهذا لا يحدث فقرالدم المتسبب عن نقص الحديد في أثناء الصوم. وعموما فإن الانتقال إلى التغذية الداخلية يضمن نوعا من التوازن الغذائي المحكم في حدود ما هو مطلوب حيويا. ووعلى هذا الاساس لا تحدث أبدا أي من أعراض سوء التغذية التي نراها فى المجاعات، بل حتى في بعض حالات الوفرة عند زيادة السكريات على حساب البروتينات على سبيل المثال.
ويؤكد الطبيب الالمانى "هيلموت لوتزينر" أن الصيام يفيد الروح والجسد ويتجاوز كونه "نظاما للحمية" فقط.
وأشار "لوتزينر" أنه من المهم تجنب التوترات والإجهاد وتحقيق الهدوء النفسي قبل بدء الصوم، موضحا إلى أن الصيام لن يكون مفيدا على المدى الطويل إلا إذاكان بداية لتغيير في أسلوب الحياة.
كما اشار ايضا الى، أنه "يمكن لأي شخص أن يصوم من حيث المبدأ ما عدا المرضى والأطفال والسيدات الحوامل و المرضعات".
وينصح ان يبدأ بالصوم تدريجيا بتناول وجبات خفيفة في اليوم الأول
وقال "لوتزينر" إن الجسم يستعد ببطء للأيام التالية التي يتم خلالها استهلاك عشر السعرات الحرارية التي تم امتصاصها.
أنواع الصوم الطبي
وكما نلاحظ، فان الصيام العلاجي يختلف عن صيام العبادة. وفيه يعطى الجسم فرصة لالتقاط أنفاسه، إن صح التعبير، حيث تستهلك عملية الهضم 30% من طاقة الجسم. وبالصيام توجه هذه الطاقة لنواح أخرى أهمها العلاج.وهناك عدة أنواع مختلفة من الصيام الذي يصفه الأطباء .
فمنه ما يقتصر فيه طعام الصائم على الماء، ومنه ما يقتصر على الماء وعصير الفواكه، ومنه ما يسمح بالحساء أيضاً. كما أن منه ما يتم عمله بالتبادل مع الأكل الخفيف.
يوجد العديد من الأنظمة الغذائية العلاجية تبدأ بفترة صيام قصير، قد لا تزيد على يوم واحد يقتصر فيه الصائم على الماء من أجل تنظيف الجسم من السموم أثناء الصيام، لأنّ الجسم يوجه الطاقة التي يصرفها عادة على عملية الهضم، إلى عملية الشفاء أولا.
ولعدم وجود المواد الغذائية التي تلقى إليه يومياً عادة مما يزيد من العبء المسبب أصلا للمرض ثانياً،
ولأنّ الإنسان، والجسم تبعاً لذلك، يعيش جواً نفسياً أحسن ثالثاً.
وهذا العامل النفسي مفهوم تماماً، أو هكذا يفترض، لكل من جرب الصيام، وخصوصاً عندما يكون عبادياً. وهذا لا يعني بأن العامل الثالث لا يتحقق إلا إذا آمنت بالصيام العبادي، وإنما يعني أن الصائم تعبدا يكون، ، في أجواء روحانية أعلى من المعتاد، فلا يلتفت إلى أن مرد ذلك هو، جزئيا، بفعل الصيام.
ولكن الواقع هو أن الصيام بحد ذاته رافع لروحانيات الصائم لرفعه هذا الحمل المادي، وهو الطعام، من كيانه. ولهذا شرع الصيام في كل الأديان.
أما شدة الصيام ومدته فتعتمد على عوامل عدة أهمها الحالة المرضية نفسها، ومدى قدرة تحمل المريض للصيام، وطبيعة النظام العلاجي في ذلك المستشفى. فإذا كان المريض بديناً وصحته العامة ليست سيئة كثيراً استطاع المعالج أن يضعه في نظام صيام طويل
وقاسٍ لإزالة أو تخفيف المرض أولا، ولتقليل وزنه الذي هو في الحقيقة عبء على الجسم ثانياً.
واعلم أن الإنسان يستطيع تحمل الامتناع عن الطعام لمدة طويلة لوجود مخزون كبير في جسمه يغذي جسمه "داخليا"، وخوف الإنسان من أنه سيموت جوعاً في الصيام الطويل لا صحة له ولا اساس له.
كما أنه من الممكن اتباع الصيام العلاجي في البيت بشرط ألا يزيد على أيام معدودة، وأن يكون الجسم مناسبا لذلك، وأن يعرف المريض ماذا يتناول أثناء الصيام. بل إن ذلك ضروري لكل الناس، مرضى وأصحاء، لتجديد حيوية الجسم بإعطائه عطلة ولو لأيام
قليلة .
ماهى حالات الصوم الطبي
يستعمل الصوم طبيا في علاج حالات كثيرة، والوقاية في حالات أخرى كثيرة أيضاً، فهو له دور كبير في:علاج اضطرابات الأمعاء المزمنة، والمصحوبة بتخمر.
علاج زيادة الوزن الناشئة من كثرة الطعام.
علاج أمراض الكلى الملتهبة والحادة والمزمنة علاجاً شافياً.
علاج أمراض القلب، كما يقي من مرض البول السكري.
علاج أمراض زيادة الحساسية، وأمراض البشرة الدهنية.
وتقوم مصحات كثيرة فى اساسها على العلاج بالصوم، وعملها تخليص الجسم من نفايات الغذاء، ودسمه، وكثرته، وكذلك من السموم الناتجة عن التخمرات الغذائية، وبقاء فضلاتها في الجسم.
ويعتبر الصوم راحة إجبارية لمختلف أجهزة الهضم، التي هي في مقدمة ما يُصاب من الجسم بالأمراض.
ولعل أشهر المصحات هي المصحة التي تحمل اسم الدكتور "هيزيج لاهان"، في درسون بسكسونيا، ويقوم العلاج فيها كاملاً على الصوم.
ويقول الدكتور أليكسيس كاريل: "إن الأديان كافة تدعو الناس إلى وجوب الصوم؛ إذ يحدث أول الأمر شعور بالجوع، ويحدث أحياناً التهيج العصبي، ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد أنه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية، أهم بكثير منه، فإن سكر الكبد
سيتحرك، ويتحرك معه الدهن المخزون تحت الجلد، وبروتينات العضل والغدد، وخلايا الكبد، وتضحّي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة، للإبقاء على كمال الوسط الداخلي، وسلامة القلب، عدا أن الصوم ينظف أنسجتنا".